لم يكن العدو الصهيوني يدرك أن التاريخ سيعيد نفسه، وأنه سيضطر مجددًا لخوض حربٍ أخرى مع أصحاب أرضٍ مغتصبة لن يسكن مرابطوها حتى يحرروا أرضهم من عدوانهم الغاشم كما حرر المصريون أرض سيناء.
وفي مقارنة فرضت نفسها منذ اللحظة الأولى لعملية “طوفان الأقصى” وحرب السادس من أكتوبر، فكما باغت المصريون العدو الإسرائيلى الغاشم يوم السادس من أكتوبر عام 1973 في عيدهم، باغتتهم المقاومة الفلسطينية بعد خمسين عاماً فى 7 اكتوبر 2023 خلال عيد “سيمحات توراة” اليهودي.
وكانت هذه الهجمات، التي هي أول غزو واسع النطاق للأراضي الإسرائيلية منذ حرب 1948، هي التي أشعلت حرب غزة المستمرة حتى الآن.
هذا الهجوم الذى كان عبارة عن سلسلة من الهجمات والتوغلات المسلحة التى عبرت من قطاع غزة إلى غلاف غزة فى جنوب إسرائيل بسرعة مذهلة فاجأت وأربكت دفاعات العدو نفذتها حماس وعدة جماعات فلسطينية مسلحة بدقة وسرعة مذهلتين.
وبرغم أن حرب السادس من أكتوبر أمام العدو الصهيوني كانت حرباً بجيوش نظامية على عكس أحداث السابع من أكتوبر التي خاضتها الفصائل الفلسطينية المقاومة ضد الجيش الإسرائيلي النظامي، إلا أن كلا الحربين تتشابهان في عدم الجاهزية الكاملة ، فكلاهما خاض حرباً غير متكافئة من ناحية القوة والتسليح والدعم الدولي مع العدو.
وبرغم النصر دون بعض قادة حرب السادس من أكتوبر فى مذكراتهم أن مصر خاضت حربا أمام عدو يفوقها في القوة والعتاد، هذا إلى جانب الدعم الأمريكي غير المشروط للكيان بالمقارنة بالدعم الروسي الشحيح الذي كان يتلقاه الجيش المصري والسوري، كذلك وصف أبو عبيدة الناطق باسم كتائب عز الدين القسام حرب السابع من اكتوبر قائلاً: “نخوض حرباً غير متماثلة، لكنها ستُدرَّس في العالم وسيُخلدها التاريخ”.
وأمام هذا التباين في القوة العسكرية والتكنولوجية اضطر الجيش المصري لاستحداث أساليب قتالية غير تقليدية، فاستخدم شفرات نوبية كلغة إشارة بين قواته، كما أنه قضى على أسطورة إسرائيل في ساترها الترابي الذي لا يقهر “خط بارليف”، ونجح سلاح المهندسين في التغلب عليه بخراطيم المياه، وهي برغم أنها وسيلة بدائية إلا أنها كانت معجزة في نتائجها.
وكما بنى الجيش المصري خطته على أن يدفع بفرق مشاة في الحرب، يحملون صواريخ مضادة للدبابات محمولة على الكتف، في مواجهة الدبابات الإسرائيلية المتطورة تكنولوجياً، استخدمت المقاومة الفلسطينية تكتيك مماثل بأسلحة مثل قذائف “الياسين” والهاون والعبوات الناسفة، كما تمكنت المقاومة الفلسطينية من تركيب مقذوف مضاد للدروع على بندقية 7.62 كلاش، و نفذت فكرة “الخندق البرميلي” لتفادي هجوم الطيران على الأفراد والمعدات.
من تلك الأفكار والإمكانيات البسيطة عبرت الأمة عبورها الأول بنصر السادس من أكتوبر المجيد إلى عبورها الثاني في السابع من أكتوبر، والذي أجبر العالم جميعاً على الاعتراف بدولة فلسطين.
وإن كان هناك أطراف ما زالت تشكك في انتصار المقاومة، فهي نفس الاطراف التى تشكك بعد 50 عامًا فى انتصار الجيش المصري.
ولا شك في أن إسرائيل التى فقدت 10 الآف قتيلـ، و40 الف مصاب ومعاق ،و76 مليار دولار أمام مجموعة من المقاومة الغير نظامية بدائية التسليح، لن تستطيع أن تعتبر هذا نصرًا.
وبرغم المجازر والإبادة في حق سكان غزة، وبرغم الدماء الطاهرة التي سالت، فقد حققت المقاومة الفلسطينية ما لم تستطع أموال العرب جميعاً تحقيقه خلال عقود، وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة القضايا الدولية بعدما اكتسبت القضية تعاطفًا عالميًا ودوليًا.