من يتآمر على «معاهدة السلام» يا نتنياهو؟!

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


مصر تواجه الابتزاز السياسي- الإعلامي الإسرائيلي بـ«التزاماتها»

– المزاعم تمهد لسيناريوهات التسلل والتسريب وفرض أمر واقع يهدد الأمن القومي المصري

– الجماعات الإرهابية كانت ثمرة الفوضى الحدودية بمعرفة إسرائيل والتنسيق مع الإخوان

– التوسع الإسرائيلي على حدود رفح خرق صريح للترتيبات الأمنية الملحقة بالمعاهدة

– الانتشار الكثيف في محور صلاح الدين يفتح ملف الالتزامات الإسرائيلية المؤجلة

– المعاهدات ليست نصوصًا جامدة بل أدوات مرنة تتكيف مع الواقع المتغير على الأرض

– سيناء قضية سيادة لا تقبل المساومة.. وتطهيرها من الإرهاب كان قرارًا لا يحتمل التأجيل

– القانون الدولي يؤكد حق الدولة المصرية في حماية أراضيها لا يخضع لانتقائية أو مزاعم

– عقيدة القوات المسلحة المصرية لم تتغير: حماية الوطن لا تعني المغامرة بمصير الشعب

– مصر لا تفسر اتفاقياتها بمنطق القوة، لكنها لا تقبل تفسيرها بما يضر بمصالحها الوطنية

– السلاح المصري المتنوع يخدم الأمن والسلم الإقليميين، وليس أداة للهيمنة أو الفوضى

– تعزيز الردع لا يعني العدوان، بل يؤكد قدرة الدولة على منع الاعتداء دون أن تبادر به

– الحدود الشرقية لم تكن يومًا مجرد خطوط فاصلة، بل شرايين أمن قوي ومجال حيوي

– في كل مناسبة وطنية يتجدد استهداف الوعي المصري بمؤامرات إعلامية رخيصة

– مصر المنتصرة ميدانيًا وتنمويًا تحمي مكتسباتها عقب العبور الثاني بعد 30 يونيو

وسط أجواء إقليمية شديدة الاضطراب والتعقيد، وفي ظل تصاعد حملات التضليل الإعلامي والتأويلات السياسية المغرضة التي تستهدف النيل من مكانة الدولة المصرية وتشويه قراراتها السيادية، جاء البيان الصادر عن الهيئة العامة للاستعلامات، ليرد بحسم ووضوح على «ما تردده وسائل إعلام دولية»، حول تواجد القوات المسلحة المصرية في سيناء، وتلميح البعض بأن هذا التواجد يُعد «انتهاكًا لمعاهدة السلام»، الموقعة مع إسرائيل عام 1979.

البيان أكد أن وجود القوات المسلحة المصرية في سيناء أو في أي بقعة من أرض الوطن، إنما يتم وفقًا لما تقرره القيادتين السياسية والعسكرية العليا، بناءً على تقدير دقيق للمستجدات الأمنية والمخاطر الإقليمية والدولية التي قد تمس الأمن القومي المصري، وأشار في الوقت نفسه إلى أن ما يتم يرتكز إلى قواعد القانون الدولي، ومعايير القانون الدولي الإنساني، وإلى المعاهدات والاتفاقيات التي وقعت عليها الدولة المصرية، بما فيها معاهدة السلام (مع إسرائيل)، وبما لا يُخل بحق مصر الثابت في الدفاع عن نفسها، وتأمين حدودها، وحماية استقرارها الوطني.

نتنياهو

أتصور أن البيان «الرسمي» المصري، أكبر من رد على مزاعم الاحتلال الإسرائيلي وحكومته اليمينية المتطرفة بقيادة، بنيامين نتنياهو، كونه يمثل وثيقة سياسية واستراتيجية ترسخ لرؤية الدولة المصرية تجاه المعاهدات الدولية، وتؤكد أن احترام مصر لالتزاماتها لا يعني التنازل عن سيادتها أو القبول بتأويلات قاصرة للنصوص القانونية، خاصة أن مصر اختارت منذ توقيع اتفاقية السلام عام 1979 أن تكون شريكًا فاعلًا في حفظ الاستقرار الإقليمي، لكن من موقع القوة، وليس من مربع التبعية، ومن خلال الحرص على السلام دون التفريط في أدوات الحماية الذاتية.

تفاهمات متجددة

شهدت العقود الأربعة الماضية تفاهمات متجددة بين مصر وإسرائيل فيما يخص الترتيبات الأمنية في سيناء، تتيح تكييف البنود الأمنية بما يتلاءم مع الواقع المتغير دون المساس بجوهر المعاهدة أو بنيتها الأساسية، ففي ظل التحديات الأمنية التي تصاعدت في شمال سيناء منذ عام 2011 (خلال حكم جماعة الإخوان، وبمعرفتها الكاملة)، واضطراب الأوضاع في الجوار الإقليمي، وتفشي ظاهرة الإرهاب العابر للحدود، اضطرت الدولة المصرية إلى إعادة تقييم موقفها العسكري في سيناء بما يخدم مقتضيات الأمن القومي ويمنع تسلل التهديدات إلى عمق الدولة.

تحركات قوات «إنفاذ القانون» في مصر، تمت بشكل مسئول ومتزن، استنادًا إلى قنوات الاتصال الرسمية والآليات المتفق عليها، هذه التفاهمات، التي جاءت على مدار عدة سنوات، لم تُنكرها إسرائيل، بل اعترفت بها ضمنيًا وعلنيًا، مما يعني أن ما حدث لم يكن تجاوزًا للمعاهدة، بل تفعيلًا لمرونتها الداخلية، وهو ما يُعد أحد مظاهر نضج المعاهدات الثنائية طويلة الأمد، القابلة للتأقلم مع المتغيرات الجيوسياسية.

شكلت تلك المرونة أحد أهم مرتكزات المعركة الكبرى التي خاضتها مصر في مواجهة الإرهاب بين عامي 2013 و2019، حيث نفذت القوات المسلحة والشرطة المدنية عمليات عسكرية متكاملة ضمن إطار «العملية الشاملة»، التي تم خلالها استهداف بؤر التطرف، وتدمير معاقل الجماعات الإرهابية، وتفكيك شبكات التمويل والتمويل المضاد، إضافة إلى فرض السيطرة الكاملة على مراكز النشاط المسلح في المناطق الحدودية والمناطق الجبلية النائية.

المعارك (التي سقط خلالها شهداء ومصابون من قوات إنفاذ القانون) لم تكن دفاعًا عن شبه جزيرة سيناء فقط، بل كانت دفاعًا عن بقاء الدولة المصرية الموحدة في مواجهة مشروع فوضوي إقليمي، سعى لتفكيك الجيوش الوطنية، وتحويل مساحات كاملة من أراضي الدول إلى مساحات خارجة عن القانون، لم تكن إسرائيل (!!!) بعيدة عن الجهات: المخططة، الممولة، والمنفذة لها، ضمن مساعٍ خبيثة تحاول زعزعة استقرار سيناء ضمن مخطط قديم- متجدد.

استعادة السيطرة على كامل تراب سيناء، وإعادة فرض النظام، لم يكن ليتم إلا عبر قرار سيادي مصري، اتخذه الرئيس عبد الفتاح السيسي، عندما أمر باستخدام «القوة الغاشمة»، في إطاره القانوني الصحيح، ضد البؤر الإرهابية، وبالتالي، فإن كل محاولة للزج باسم معاهدة السلام أو تأويلها بما يُفهم منه أن مصر تخرق التزاماتها، هي محاولة بائسة لإعادة إنتاج روايات فاشلة، تهدف لتقويض صورة الدولة المصرية باعتبارها دولة مسئولة تحترم القانون الدولي، لكنها لا تسمح بانتهاك أمنها تحت أي ذريعة.

«القوة الغاشمة»

المؤكد، أن مصر ليست في موقع المتهمة، بل الدولة التي تطبق «معاهدة السلام»، بجدية واحترام طيلة أكثر من أربعة عقود، دون أن تلجأ إلى استخدام أوراق المعاهدة كورقة ضغط أو تهديد، ودون أن تفرض تفسيرات أحادية أو تغييرات ميدانية تخل بالتوازن القائم، وعلى العكس، فإن السلوك الإسرائيلي في الآونة الأخيرة، من حيث الاجتياح العسكري لقطاع غزة، والتموضع قرب الحدود المصرية، وتكثيف الوجود العسكري النظامي بآليات ثقيلة، قد تجاوز الإطار المسموح به بموجب الاتفاقية، وهو ما يستدعي إعادة النظر في ترتيبات أمن الحدود من منطلق الحفاظ على الأمن القومي المصري، وليس كخيار سياسي بل كضرورة حتمية تفرضها الوقائع على الأرض.

الطرف الآخر في المعادلة، إسرائيل، تقدم منذ عامين على إجراءات تمثل خرقًا مباشرًا للمعاهدة، فمنذ بدء العدوان الإسرائيلي على أهالي قطاع غزة في أكتوبر 2023، تعمدت قوات الاحتلال توسيع عملياتها العسكرية لتشمل غالبية أراضي القطاع، مع تعزيز انتشارها على طول الحدود الشرقية لمصر، لاسيما منطقة رفح ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا) من الجانب الفلسطيني، رغم حساسيتها الأمنية، في الترتيبات الأمنية الملحقة باتفاقية السلام.

هذا الانتشار الكثيف، المصحوب بوجود قوات نظامية كاملة العتاد، يمثل خروجًا عن النصوص الحاكمة للمعاهدة، التي تشترط أن تكون القوات المنتشرة في تلك المناطق محدودة التسليح والطبيعة، وتخضع لترتيبات أمنية محددة سلفًا، كما أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمعظم أراضي قطاع غزة، والذي أصبح أمرًا واقعًا منذ أواخر 2024، يُعيد طرح تساؤلات أساسية حول مدى التزام إسرائيل بالمبادئ الأساسية للسلام، بما في ذلك احترام الحدود، وعدم تهديد الجوار، وتجنب اتخاذ إجراءات أحادية قد تؤدي إلى تقويض التفاهمات الإقليمية.

وليس من المنطقي (ولا المقبول قانونًا أو سياسيًا) أن تُطالَب دولة بحجم مصر بأن تُخلِي قواتها من منطقة استراتيجية بحساسية سيناء، في الوقت الذي تتكدس فيه قوات نظامية إسرائيلية على الجانب الآخر من الحدود، وتُقصف فيه مناطق متاخمة دون توقف، ويجري فيه استهداف البنى التحتية والمدنيين الفلسطينيين على نطاق واسع، مع ما يحمله ذلك من احتمالات تسلل، أو تسريب، أو حتى فرض أمر واقع أمني جديد قد يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري.

الجدية المصرية

وفي ضوء التطورات الأخيرة، وما أفرزته الحرب في غزة من آثار مباشرة وغير مباشرة على الأمن الإقليمي، فإن أي موقف مصري يُصنَّف إجراءً دفاعيًا مشروعًا، واستجابة عقلانية لمعادلة معقدة تُحتم على الدولة أن تكون يقظة وحاضرة ميدانيًا في مواجهة أي سيناريو طارئ، فالحدود لم تعد مجرد خطوط سياسية على الخرائط، بل باتت ساحات تفاعل أمني مفتوح، تختلط فيه التهديدات التقليدية وغير التقليدية، وتتشابك فيه الاعتبارات الجغرافية بالدوافع الأيديولوجية، والمصالح الاستراتيجية بالعناصر الفوضوية العابرة للدول.

نتنياهو

وبالتالي، فإن تحميل مصر مسئولية مزعومة لتطورات داخل أراضيها، في الوقت الذي يتم فيه تجاهل الخروقات الإسرائيلية الصريحة، يُعد انتقائية سياسية مرفوضة، ولا تستند إلى أي قاعدة قانونية، خاصة أن المبادئ الحاكمة للقانون الدولي تنص على أن لكل دولة الحق في حماية أمنها، والسيطرة على أراضيها، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان عدم تكرار التهديدات، لاسيما حين يتعلق الأمر بجماعات مسلحة غير نظامية، تعمل خارج إطار الدولة، وتستفيد من الفوضى الحدودية، أو من تغاضٍ دولي مريب.

الاتهامات التي تتردد بشأن خرق مصر لبنود معاهدة السلام تمثل قراءة إسرائيلية قاصرة ومتجنية لا تأخذ في اعتبارها المتغيرات الأمنية والميدانية على الأرض، ولا تنظر إلى المعاهدات باعتبارها أدوات قانونية قابلة للتكيف، بل كقيود سياسية تستهدف طرفًا بعينه، وهذه النظرة تنسف مبدأ التكافؤ في العلاقات الدولية، وتحول الاتفاقيات من صيغ للتعاون المشترك إلى أدوات انتقائية تُستخدم في الضغط والإدانة دون إنصاف أو توازن.

التزامات لا قيود

الدولة المصرية، عندما تؤكد (عبر بيان الهيئة العامة للاستعلامات، وما سبقه) التزامها بمعاهدة السلام، فإنها في الوقت نفسه ترفض أن تُفهم هذه الالتزامات باعتبارها قيودًا على سيادتها، أو أن تُستخدم كوسيلة للضغط السياسي، أو التلويح الإعلامي عند كل منعطف حساس، فالمعاهدة، كأي اتفاقية دولية، لا تُفسر بمعزل عن الواقع، ولا تُطبق خارج سياقها الأمني والاستراتيجي، خاصة في بيئة كالشرق الأوسط، حيث تتغير موازين القوى والمعطيات على الأرض بصورة مستمرة.

التأكيد الرسمي على ثوابت الدولة المصرية، رسالة واضحة بأن الأمن القومي ليس محل مساومة، وأن مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها القوات المسلحة، تقوم بواجبها وفق ما تقتضيه الضرورة، وما تسمح به المواثيق الدولية، دون تفريط أو تجاوز، كما يمثل البيان تحذيرًا ضمنيًا من استمرار الحملات التي تستهدف تشويه صورة مصر، ومحاولة إحراجها دوليًا عبر قراءة منحازة للوقائع.

البيان يشكل مقدمة ضرورية لفهم أعمق للموقف المصري، من حيث الأسس القانونية والسياسية التي تحكم قراراته السيادية، ومن حيث الفهم المتجدد لطبيعة المعاهدات الدولية التي ينبغي أن تكون مرنة بما يكفي للتعامل مع تهديدات متجددة، دون أن تتحول إلى نصوص مقدسة جامدة، تُلزم دولة دون أخرى، أو تُستخدم كأدوات سياسية لتبرير تجاوزات طرف على حساب طرف آخر، بما يخل بمبدأ المساواة في الالتزام والحقوق المتبادلة بين الدول الأطراف.

فرحنا.. وحزنهم

رغم ما تثيره إسرائيل من مزاعم وأكاذيب ممنهجة، ومحاولات متكررة لتشويه المواقف المصرية الثابتة، والتشكيك في قراراتها السيادية، فإن هذه الحملات المضللة، التي باتت تتكرر عند كل مناسبة وطنية مصرية، لن تنجح في التأثير على وعي الشعب المصري، ولا على مؤسسات دولته، ولن تُثنيها عن الاحتفال بالذكرى الـ52 لانتصار أكتوبر المجيد، الذي يُعد واحدًا من أهم الانتصارات العسكرية في تاريخ منطقة الشرق الأوسط خلال القرن العشرين، والذي تحتفي المعاهد والأكاديميات العسكرية الكبرى بتدريسه، حتى الآن، على مستوى العالم.

إن حرب السادس من أكتوبر عام 1973 لم تكن مجرد معركة عسكرية تقليدية، بل كانت تعبيرًا عن إرادة أمة، وقرارًا استراتيجيًا باستعادة الكرامة والسيادة بعد سنوات من الاحتلال والتفاوض. وقد قدم الجيش المصري خلالها نموذجًا ملهمًا في التخطيط والتنفيذ والجرأة والانضباط، وهو ما جعل المعارك التي دارت في هذا السياق موضوعًا للبحث والدراسة في الكليات الحربية حول العالم، نظرًا لما انطوت عليه من تكتيكات نوعية ومفاجآت ميدانية قلبت موازين الصراع في حينها.

النصر الذي تحقق بالسلاح والدبلوماسية، وأثمر في النهاية عن استعادة مصر لكامل أراضيها في سيناء، يظل عنوانًا للقدرة المصرية على المزج بين القوة العسكرية الرادعة والقدرة السياسية الفاعلة، وهو ما كرّسته الدولة المصرية في كافة تحركاتها الإقليمية والدولية منذ ذلك التاريخ، فحرصت على الالتزام بالشرعية الدولية، واحترام الاتفاقيات، والعمل على دعم السلام العادل والشامل، دون أن تُفرط في حق أو تُفرّط في أمن، وبالتالي، فإن محاولات إسرائيل التشويش على الذكرى المجيدة، أو التلويح باتهامات باطلة حول تحركات مصر السيادية في أراضيها، لن تؤثر في مسار الاحتفال الوطني المصري الذي يُجسد وحدة الدولة، ويُكرّس ثقافة النصر، ويُعيد التذكير بأن مصر لا تعرف الانكسار، وأنها حين تُقرر، تنتصر.

حماية التنمية

ورغم ما مرت به الدولة المصرية من تحديات وجودية قبل صيف عام 2013، بفعل موجات العنف والإرهاب والتآمر على مؤسساتها، إلا أنها سرعان ما استعادت قدرتها على التماسك، وأعادت بناء بنيتها الأمنية والتنموية في آنٍ واحد.ومنذ ذلك الحين، شرعت مصر في عملية شاملة لتعزيز قدراتها الداخلية، ليس فقط على المستوى العسكري، بل في إطار مشروع قومي للتنمية المستدامة، يستهدف بناء الإنسان، وتطوير البنية التحتية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوسيع قاعدة النمو الاقتصادي ليشمل كل مناطق الجمهورية، وفي القلب منها سيناء التي جعلها الرئيس السيسي والمؤسسات المعنية هدفًا للتنمية بقدر ما كانت ميدانًا للفداء والتضحية.

نتنياهو

اختارت مصر أن تكون دولة سلام، لكنه سلام نابع من القوة، وقائم على احترام الحقوق، وصيانة السيادة، ودعم الاستقرار الإقليمي. أما إسرائيل، فعلى النقيض، تُصر على انتهاج سياسات توسعية وعدوانية تهدد السلم الإقليمي، سواء من خلال استمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية، أو عبر عملياتها العسكرية غير المبررة التي تستهدف المدنيين، أو عبر تحركاتها الأخيرة في قطاع غزة التي خرقت الأعراف والقوانين الدولية، وفاقمت الأوضاع الإنسانية، وكشفت مجددًا طبيعتها كدولة تعجز عن أن تكون شريكًا حقيقيًا في أي مشروع للسلام العادل والدائم.

وفي ظل هذه المفارقة، يُدرك الشعب المصري، كما تدرك مؤسساته، أن معركة أكتوبر لم تكن حدثًا عابرًا، بل كانت معلمًا وطنيًا تأسيسيًا في مسار الدولة الحديثة، ولهذا، فإن إحياء الذكرى الـ52 لنصر أكتوبر تجديد للعهد بأن مصر ستظل قوية وقادرة، متمسكة بحقوقها، وحريصة على أمنها، ماضية في طريق التنمية والسلام، مهما حاول المغرضون حرف البوصلة أو التلاعب بالحقائق.

وعلى امتداد العقود، لم تكن الخيارات المصرية وليدة لحظة عابرة أو رد فعل على مستجد طارئ، بل ثمرة لرؤية متراكمة تُدرك حدود القوة وغاياتها، وتفرق بين من يمتلك القدرة ليسلك بها دروب التهدئة والبناء، ومن يوظفها لتوسيع دوائر الخوف، وفرض الأمر الواقع بقوة السلاح. فحين تتجه بعض العواصم إلى عسكرة الأزمات، ورفع منسوب التوتر، والرهان على تفوق عددي أو نوعي في السلاح، تظل القاهرة، برغم ما تمتلكه من قدرات رادعة، أمينة على معادلة لا تُخِل: أن الأمن لا يُصان بالاستعراض، بل بالاتزان، وأن القوة التي لا تضبطها البصيرة تتحول إلى عبء على أصحابها قبل أن تكون تهديدًا لغيرهم.

دولة مسئولة

لقد أثبتت مصر، على مدار سنوات طويلة، أنها دولة مسئولة، تحترم التزاماتها، لكنها لا تفرط في أمنها أو تساوم على سيادتها، وأن سياستها في سيناء تستند إلى اعتبارات استراتيجية دقيقة، تراعي المعادلة الأمنية في المنطقة، وتحفظ استقرار الداخل المصري، وتحمي حدوده من التهديدات المتزايدة، سواء كانت تقليدية أو غير متماثلة. وفي المقابل، فإنها تنتظر من المجتمع الدولي، ومن الأطراف المعنية بالمعاهدة، أن تتعامل مع الموقف بروح من الموضوعية، وأن تُخضع جميع الأطراف لذات المعايير، لا أن تُبقي الطرف الملتزم دائمًا في موقع الدفاع، وتُعفي الطرف الآخر (إسرائيل) من التزاماته الواضحة.

ذكرى رحيل المشير طنطاوي.. قائد عبر بمصر إلى بر الأمان في مرحلة حرجة

ذكرى رحيل المشير طنطاوي.. قائد عبر بمصر إلى بر الأمان في مرحلة حرجة

ترامب: تمكنت من تجنيب مصر وإثيوبيا حربا محتملة واستحق جائزة نوبل للسلام



‫0 تعليق

اترك تعليقاً